كيف نغرس في أطفالنا حب القدوة الحسنة ونرتقي بأجيال المستقبل؟
- أبريل 18, 2025
- نشر بواسطة: Mahmoud Mohy
كيف نغرس في أطفالنا حب القدوة الحسنة ونرتقي بأجيال المستقبل؟
مقدمة:
تترك المدرسة والمعلم بصمات عميقة في نفوس أطفالنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية. وفي هذه المرحلة العمرية الهامة، يربط الطفل بشكل فطري بين هذه التأثيرات وبين عالمه الأسري، وتتولد لديه تساؤلات تدفعه للبحث عن إجابات ترسخ قناعاته أو تغيرها. لذا، يصبح من الضروري توجيه هذه الطاقة المعرفية نحو بناء أسس سليمة لشخصيته وقيمه.
عند الحديث مع أطفالنا وشبابنا عن الحضارات والأمم، من الأهمية بمكان أن نسلط الضوء على النماذج الملهمة التي صنعت هذه الحضارات. إنهم قدوات الأمة من العلماء والمصلحين والدعاة والقادة الذين تركوا بصمات لا تُمحى في تاريخنا.
تأثير البيئة والقدوة:
لا شك أن البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل أخلاقه وسلوكياته. فكلما كانت هذه البيئة صحية وتربوية، كان الطفل أقرب إلى التخلق بأخلاقها وتبني سلوكياتها الإيجابية. على سبيل المثال، عندما ينشأ الطفل في كنف بيئة تقدّر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتقتدي به وتسعى لتطبيق سننه، فإن تذكيره بسيرته العطرة في المواقف المختلفة سيغرس في قلبه محبة عميقة لشخصيته، ويسهل عليه الاقتداء به. وينطبق الأمر ذاته على قصص الصحابة رضوان الله عليهم وتأثر الفتيات بسيرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
في المقابل، كلما ضعف هذا الارتباط بالقدوات الصالحة وغابت النماذج الملهمة، فإن القدوات السلبية ستجد طريقها لفرض نفسها. والبيئة التي تفتقر إلى القدوة الحسنة تجعل من الصعب على الإنسان التمييز بين الخير والشر، وهذا هو أخطر ما يمكن أن يواجهه، حيث يغيب النور الذي يضيء طريقه ويوجه سلوكه ويجيب على تساؤلاته.
وسائل عملية لربط الطفل بقدوات الأمة:
إليك بعض الأساليب والوسائل العملية التي يمكننا من خلالها ربط أطفالنا وشبابنا بقدوات الأمة وغرس القيم النبيلة في نفوسهم:
الحديث عنهم باستمرار: إن تذكّر سير القدوات والحديث عن إنجازاتهم ومواقفهم الملهمة يخلق رابطًا نفسيًا وعاطفيًا قويًا بين الطفل وهؤلاء النماذج. هذا الارتباط يدفع الطفل بطبيعته إلى محاولة التشبه بهم والاقتداء بأفعالهم، فالإنسان مجبول على فعل ما يحب، وتكرار الحديث عن السير الحسنة يعزز هذا الميل.
استحضار سيرتهم في المواقف الحياتية: حياتنا مليئة بالمواقف التي تستدعي تذكر قصة أو موقف مؤثر لأحد القدوات. من المهم استغلال هذه الفرص للحديث عن هذه القصص والتركيز على الجوانب المضيئة فيها وكيف تعاملت هذه الشخصيات مع تحديات مماثلة.
توضيح أن القدوة ليست حكرًا على الماضي: يجب أن نوضح لأطفالنا أن القدوة الحسنة ليست مقتصرة على شخصيات تاريخية، بل يمكن أن نجدها في محيطنا اليومي. قد يكون القدوة معلمًا مخلصًا، أو سائقًا أمينًا، أو بائعًا نزيهًا، أو شرطيًا يقوم بواجبه بإخلاص. كل شخص يؤدي دوره بإتقان ويساهم في الخير والنفع العام هو قدوة تستحق التقدير والاحترام والحديث عنها لنشر ثقافة الخير.
توعيتهم بالطبيعة البشرية للقدوة: من المهم أن يفهم الطفل أن القدوة هو بشر، والبشر بطبعهم يخطئون. يجب ألا يتوقع الطفل الكمال المطلق في القدوة، حتى لا تتحطم صورته المثالية عند وقوع أي خطأ. الأهم هو أن نعلمه أن القدوة الحقيقية إذا أخطأت، فإنها تعتذر وتتراجع وتسعى جاهدة لتجنب تكرار الخطأ.
تشجيع البحث والاستكشاف: امنح طفلك الفرصة للبحث عن قصص القدوات من خلال الكتب والمصادر الإلكترونية المختلفة. هناك الكثير من القصص الملهمة والشخصيات الرائعة في كل أنحاء العالم وعلى مر العصور التي تستحق الاكتشاف والحديث عنها. شجع طفلك على البحث وتابعه وناقشه فيما يكتشفه.
منح الطفل فرصة التعبير: عندما يلاحظ الطفل سلوكًا إيجابيًا في مجتمعه، شجعه على ذكره والإشادة به، سواء بالكلام أو الكتابة أو الرسم أو أي وسيلة تعبير أخرى. هذا يعزز لديه قيمة هذا السلوك الطيب ويساهم في نشره. قدم له الدعم والتشجيع في كل خطوة يقوم بها.
استخدام القصص والمشاهدات المرئية: يمكن ربط الطفل بماضيه من خلال قصص نشأة المدن وسير القدوات الحسنة التي ساهمت في بنائها وازدهارها. كما يمكن الاستعانة بمقاطع الفيديو والأفلام الوثائقية التي تشرح أهمية الأعلام والدول ودور الشخصيات المؤثرة في نهضتها وتقدمها في مختلف المجالات.
خاتمة:
إن ربط أطفالنا بماضيهم العريق وتعريفهم بالقدوات الذين قدموا إسهامات عظيمة هو استثمار في تربيتهم الصحيحة. كما أن ربطهم بقدوات معاصرة يعلمهم أن الخير باق ويتجدد ما دام الإسلام حيًا في النفوس. ولعل هذا الجيل، إذا أحسنا غرسه وتوجيهه، يصبح هو نفسه قدوة صالحة للأجيال القادمة.